منذ منتصف 2016 وبعد الإعلان عن الانقلاب العسكري الفاشل بتركيا بساعات قليلة، بدأت حركة مكثفة لاعتقال عشرات الآلآف من المواطنين بمختلف الوظائف والانتماءات، بتهمة التورط في الانقلاب أو التعامل مع منظمة إرهابية (يُقصد بها حركة كولن) اتهمها الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” بالتحريض وتدبير الانقلاب العسكري ضده، وهو من أكثر الاتهامات ظلمًا بالتاريخ. منذ ذلك الحين وحتى الآن تم اعتقال أكثر من 160 ألف شخص وفُصِل تعسُفيًّا مثلهم. وخلال الاعتقال لم تهتم الحكومة التركية بتوفير ظروف معيشية لائقة في السجون نظرًا لارتفاع أعداد المعتقلين والمسجونين بما يفوق القدرات الاستيعابية للسجون، ونتج عن ذلك تفشي الأمراض بين السجناء، ووفاة بعضهم إثر تردّي وضعهم الصحي ورفض الحكومة التركية معالجتهم. ولم تسلم السيدات من حالات الاعتقال والسجن والفصل التعسُّفيّ، بل تم التعامل معهن بمنتهى القسوة ولم تراع الحكومة التركية أى قوانين دولية تنص على حقوق للمرأة أو الطفل. وكانت آخر الحالات التي تم تسجيلها، إصدار حكم بالسجن (5 – 8) سنوات على 17 سيدة بتهمة العمل مع “تنظيم إرهابي” (حركة الخدمة) بسبب شغلهن وظيفة “مسؤولة طالبات في منطقة” و”مسؤولة طالبات في جامعة”، كما صدرت إحصاءات رسمية تشير إلى أن هناك 668 طفلا محبوسًا مع أمهاتهن في السجون التركية. وقد كانت آخر الحالات التي تم تسجيل وفاتها وفاة الشابة “كينج عثمان”(30 عام) محفظة قرآن اعتقلت بتهمة التحريض على الانقلاب، حيث حُرمت من تناول أدويتها مما أدى لإصابتها بالتهاب رئوي ووفاتها. هذه الأوضاع غير الإنسانية والضغوط النفسية التي تُمارس ضد العاملات بمؤسسات الخدمة أو زوجات العاملين بها، دفعتهن إلى مغادرة تركيا لدول أخرى بحثًا عن الحد الأدنى من الحياة الكريمة.

لم تسلم السيدات من حالات الاعتقال والسجن والفصل التعسُّفيّ ولم تراع الحكومة التركية أيّ قوانين دولية تنص على حقوق للمرأة أو الطفل.

وقد حالفني الحظ منذ عامين بالتعرف على مجموعة من السيدات والطالبات الفضليات اللواتي لجأن إلى مصر مع أسرهن بعد أزمة الانقلاب الفاشل لاستكمال دراستهن بمصر بعدما تقطعت بهن سبل الحياة ببلادهن. وبهذا تكون قد اجتمعت عليهن صعوبات عدة بين الغربة عن الوطن والأهل، والظلم الذي واجهوه جراء الاتهامات الباطلة بالتحريض على الانقلاب التي ساقتها الحكومة التركية ضدهن، فضلا عن تأسيس حياة جديدة مختلفة تماما عن حياتهن التي عشنها سابقًا.

آخر الحالات التي تم تسجيل وفاتها الشابة “كينج عثمان”(30 عام) محفظة قرآن اعتقلت بتهمة التحريض على الانقلاب، حيث حُرمت من تناول أدويتها مما أدى لإصابتها بالتهاب رئوي ووفاتها.

ولا أنكر إعجابي الشديد بما وجدته فيهن من تمسُّك بوسطية وصحيح الدين الإسلامي، بما يجمع بين الدنيا والدين ويتوافق مع روح العصر الحديث. كما أنه قد هالني ما وجدته فيهن من صبر ومثابرة وحب للعمل والاطلاع ومساعدة الغير، وتصورت لوهلة أنهن في رحلة للدراسة بمصر ولم يأتين إليها مضطرات.

لا أنكر إعجابي الشديد بما وجدته في نساء الخدمة من تمسُّك بوسطية وصحيح الدين الإسلامي، بما يجمع بين الدنيا والدين ويتوافق مع روح العصر الحديث.

وقد حافظت سيدات الخدمة على أسلوب حياتهن كما هو رغم اختلاف الدولة والمناخ العام والظروف المعيشية، فمن خلال تعرفي عليهن، وجدت أن كل سيدة أو طالبة هي بمثابة أخت كبرى لمن تصغرها، وتجد منهن بالمقابل كامل الاحترام والتقدير لمساعدتها لهن. لقد تناست كل سيدة أو طالبة منهن كافة الصعوبات والمآسي التي مررن بها لتقديم الخدمة لغيرهن، وهذا هو جوهر دعوة الأستاذ “كولن” التفاني في مساعدة الآخرين بأي شيء وفي كل وقت. فهناك سيدة فاضلة تعرفت عليها هي أم لولدين وتعيش في دولة جديدة بالنسبة لها، بيد أنها استطاعت بسرعة شديدة التأقلم مع أسلوب الحياة بمصر كما أنها تشرف على مجموعة من الطالبات تذاكر لهن وتساعدهن في تدبير أمورهن كافة، وهذا مع مراعاة عملها ورعاية أبنائها. وهناك نموذج آخر عايشته مباشرة لفتاة جامعية تستكمل دراستها في الأزهر الشريف في المرحلة النهائية، وتساعد الطالبات الأصغر منها في مراحلهن الجامعية المختلفة، إنه نموذج فريد قلما نجده. ولكن هذا هو الحال مع “سيدات الخدمة”.