علي أونال.. كاتب ومفكر من الطراز النادر.. إذ تميز بباعه الطويل في العلوم الإسلامية والقضايا المعاصرة للفكر الإسلامي على اختلاف مذاهبه؛ إلى جانب خبرته في الشؤون السياسية التركية والإيرانية والعربية بفضل اطلاعه الواسع على العصر المعاش والفكر والتاريخ العالميين.

وقد ألف أونال عشرات من الكتب في هذه المجالات، أهمها “تفسير مختصر لمعاني القرآن الكريم باللغة التركية والإنجليزية”، و”مكة: درب الأنبياء” الذي يقدم فيه المبادئ العامة لفقه سير الأنبياء عليهم السلام، و”المفاهيم الرئيسية في القرآن الكريم”، بالإضافة إلى “المخرج الأخير قبل انهيار الجسر” الذي تناول فيه أهم الأحداث التي شهدتها تركيا تحت حكم أردوغان خلال 15 عامًا وأسباب إعلانه حربًا على الأستاذ فتح الله كولن وحركة الخدمة.

وكان للأستاذ علي عامود خاص في صحيفة “زمان” التركية التي كانت أكثر الصحف مبيعًا في البلاد يحلل فيه من المنظور الإسلامي الأوضاع والأحداث. وحينما نزلت مقصلة أردوغان على صحيفة زمان وصادرتها في 4 مارس 2016، وأغلقها في 27 من يوليو/تموز 2016 عقب الانقلاب العسكري الفاشل، كان الأستاذ علي من بين الكتاب الذين اعتقلهم نظام أردوغان ظلمًا وجورًا.

عامان من الاعتقال دون محاكمة

لقد ألقت السلطات القبض عليه في أغسطس / آب 2016 من دون توجيه أي اتهام ملموس، وعقدت الجلسة الأولى من محاكمته في 4 يناير / كانون الثاني 2018.

ظل وراء القضبان حوالي 28 شهراً في سجن شديد الحراسة في مدينة إزمير، ثم قضت المحكمة عليه بالسجن 19 عامًا و6 شهور، بعد إجراء محاكمة صورية، بتهمة التورط في محاولة الانقلاب المثيرة للجدل في 15 يوليو 2016 والصلة بحركة الخدمة، بل “قيادة منظمة إرهابية”!

ودليل كل هذه الاتهامات هو 17 مقالاً نشرت في زمان.

ورد الأستاذ علي على اتهامات قيادة تنظيم إرهابي في المحكمة قائلاً: “اسمي لا يرد ضمن أي قضية من القضايا المتعلقة بمحاولة الانقلاب، ولم تجر السلطات حتى اليوم أي تحقيق أمني أو استخباراتي. إني أعمل كاتبًا ومترجمًا منذ 1978. هناك العشرات من الكتب من أعمالي باللغة التركية والإنجليزية. كانوا اقترحوا عليّ أن أجمع بعض الكتاب والمؤلفين في المجال الديني وأؤسس معهدًا للدراسات الإسلامية، لكنني رفضت ذلك؛ لأنني شخص لا أستطيع قيادة وإدارة أي شخص سوى نفسي. فأنا شخص لا أستطيع أن أطلب من أحد حتى الماء، دع عنكم قيادة تنظيم إرهابي!”.

بهذه المناسبة أريد أن أقدم لكم خلاصة المقال الذي كتبه الأستاذ علي في مطلع عام 2016 حتى تدركوا السبب الحقيقي الكامن وراء اعتقاله وحبسه:

عندما سينقلب حلفاء أردوغان الحاليين إلى أعداء في المستقبل

كان الكاتب الصحفي التركي المخضرم “فهمي كورو” يفسّر كثرة الحديث عن حركة الخدمة وتضخيم قوتها عمداً وبشكل مبالغ فيه بـأن “البعض وضعوا مخططات من أجل إجراء تصفية حسابات ومواجهة خطيرة عبر حركة الخدمة”، في مقال كتبه في 4 مايو / أيار عام 2009. إذن ألا تكون مبادرة الرئيس رجب طيب أردوغان اليوم إلى التحالف مع البؤر العميقة (الدولة العميقة) التي سبق أن وضت مخططات مماثلة للإطاحة بحكومته أيضاً، وإقدامهما معًا على إعلان الحرب على حركة الخدمة، بمثابة خيانة كبيرة للدعم الصادق الذي قدمته له تلك الحركة، وذلك على الرغم من أنها (الخدمة) من أعدّت “الأرضية” التي وضع عليها أردوغان قدميه وقفز منها إلى درجات العلا في البلاد.

هل يمكن أن يكسب أردوغان هذه الحرب ويقضي على الخدمة؟

أردوغان يدير هذه الحرب وكأنه قد نسي الله العلي القدير الذي يدبر كل شيء، لكن العاقبة للتقوى دائماً.

ليس أردوغان إلا شخص فانٍ زائلٌ، بينما حركة الخدمة تيار اجتماعي ديني فكري علمي معنوي.. وهذا النوع من التيارات لم يُمكنِ القضاءُ عليها حتى اليوم ولا يمكن بعد اليوم أيضاً.

كانت الأحزاب الحاكمة في الربع الأول من عمر الجمهورية التركية، وكذلك الانقلابات العسكرية بعدها، قد خاضت غمار الكفاح مع حركات رسائل النور وتيارات فكرية أخرى مشابهة لها، فما هي النتيجة يا ترى؟!

يتحدث أحد المواطنين قائلاً “والدتي كانت تكيل كل المدح والثناء على أردوغان وتنزّهه عن كل خطأ! ثم عندما ذهبتُ لسحب معاش الشيخوخة لها من البنك وقدمتُه لها ناقصاً 100 ليرة. وعندما استفسرتْ سبب هذا النقص قلتُ إن أردوغان اقتطع هذا الشهر 100 ليرة من رواتب جميع المتقاعدين من أجل الدعاية في الانتخابات! عندها راحت والدتي تستخدم كل ما تعرفه من ألفاظ الدعاء واللعنة على أردوغان!”.

الفرق بين أردوغان وحركة الخدمة

نخلص من ذلك إلى أن أردوغان يستند إلى “أرضية واهية” يبادر السائرون عليها إلى بيع دينهم وآخرتهم وبلدهم في سبيل الحصول على 100 ليرة بهذه السهولة؛ في حين أن الخدمة تقوم على مبدأ “العطاء والسخاء والإنفاق”، وعدم انتظار أي شيء، وتعتمد على أبطالٍ مستعدين لـ”منح كل ثروتهم من أجل بسمةٍ واحدة للأستاذ فتح الله كولن” من أمثال رجل الأعمال “أكين إيباك” الذي صادر أردوغان جميع شركاته.

وليام روسل وإدوارد جيبون ونظراؤهما من العلماء والمفكرين الغربيين الآخرين يُرجعون سبب تغلّب النصارى على روما الوثنية إلى فضائل الأخلاق والتضحية والصبر والعفة التي كانوا يتحلّون بها؛ كما يعزون سبب هزيممتهم فيما بعدُ أمام المسلمين إلى فقدانهم هذه الفضائل وتحلّي المسلمين بها. وأبناء حركة الخدمة مجهزون بهذه الفضائل، ولله الحمد.

يستند أردوغان إلى 100 وقف “إسلاموي” تعجز – باعترافه هو – عن إعداد 5 عناصر مؤهلين لتسلّم وظيفة معينة في مؤسسات الدولة؛ وإلى الذين يتغذّون على مال القطاع العام والعطاءات والمناقصات الحكومية، والذين يرون “الدولة” باباً للرزق؛ وإلى قاعدةٍ شعبية حملت حزب الرفاه الإسلامي إلى سدة الحكم عام 1995 بعد الحصول على 22% من الأصوات، لكن بعد 7 سنوات انخفضت نسبة دعمها لحزبها إلى 2% فقط. أما حركة الخدمة فتقوم على أرضية تستطيع إخراج 100 إنسان مؤهلين من كل النواحي، مستعدين لتسلم أية وظيفة، ويعتبرون كل المناصب والمواقع فرصة ووسيلة لمزاولة خدمتهم ونشر رسالتهم السامية.

عندما ظنّ أنه تمكن من القضاء على الخدمة

لذا أقول: لندَعْ أردوغان فليواصل حربه على حركة الخدمة مع حلفائه الجدد من أركان الدولة العميقة، لكن سيأتي حينٌ من الدهر سيغرق فيه في مستنقع المخططات المشؤومة لحلفائه هؤلاء، وعندما ظنّ أنه تمكن من القضاء على تلك الحركة سيمدّ يده إليها منتظرًا العون والمدد، إلا أن اليد الحكيمة والعادلة لـ”القدر” سترفض هذه اليد..!