يصمت الجميع ويتغاضون عن كل شيء حتى لا يلحق أي ضرر بالمفاوضات التي تجريها السلطات المعنية في أنقرة مع قيادات حزب العمال الكردستاني لإحلال السلام في منطقة جنوب شرق الأناضول، غير أنه من ناحية أخرى فإن الدمار والخسائر تكبر يومًا بعد يوم، فقد أضرمت عناصر العمال الكردستاني النيران في 23 مدرسة في تركيا الأسبوع الماضي[1]، ولم تكتف المنظمة الإرهابية بذلك، بل أسست محاكم يحاكم بها الناس، بحسب ما ورد في بيان صادر عن رئاسة هيئة أركان الجيش التركي.

وفي الوقت الذي تمارس فيه المنظمة أعمالًا إرهابية لم تنطق الشخصيات التي تمثل الدولة في تركيا بكلمة واحدة للاعتراض على هذه الممارسات، حسنًا، فلنقل إنهم يتحملون ذلك في سبيل إنجاح مفاوضات السلام وحل القضية الكردية، لكن كيف يتخذون موقفًا حادًّا وإقصائيًّا لهذه الدرجة إزاء آخرين؟

على سبيل المثال، حضر الرئيس “رجب طيب أَرْدُوغَانْ” اجتماعا لجمعية رجال الأعمال والصناعيين الأتراك “توسياد (TUSİAD)” قبل أيام، وهناك أطلق التهديدات للجميع، لا سيما لحضور الاجتماع، وكرر مصطلح “الكيان الموازي”، وتحدث عن “الأناناس” وغير ذلك من الاتهامات الباطلة، ولم يتورّع عن استخدام ألفاظ “إجرامية” لمحاولة إغراق بنك آسيا، فماذا عن ممارسات منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية؟ تغاضى عنها تمامًا وكأنه لا يعرفها!.

إذا كنتم تستخدمون لغة حادة لمهاجمة الجميع في الوقت الذي تتغاضون عن العمليات الإرهابية، فهذا يعني أن هناك رسالة سيئة توجَّه إلى المجتمع، ويسأل الناس: “هل آذانكم صماء عن المطالبة بالحقوق في إطار الديمقراطية؟” ويراود أذهاننا سؤال أسوأ من ذلك: “لماذا تخافون من هؤلاء؟ هل لأنهم يحلمون السلاح؟”.

استخلاص الدروس من واقعة الرهائن

الحمد لله أن أطلق سراح الرهائن الأتراك التسعة والأربعين الذين احتجزهم تنظيم داعش الإرهابي في الموصل لمدة تزيد عن مائة يوم، وكانت تركيا قد عاشت أيامًا عصيبة وتعالت الدعوات لإطلاق سراحهم، وكان الجميع يشعر بالقلق البالغ؛ إذ إن تنظيم داعش كان يقطع الرقاب وينشر مشاهد هذه الجرائم عبر مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت، ولم تكن هذه المشاهد المصورة هي الشيء الوحيد المخيف، فالتنظيم يرتكب الجرائم الشنيعة في كل مكان يمر به، وهو يعتبر نفسه بذلك “دولة إسلامية”، وكان واضحًا كم أن هؤلاء الأشخاص الذين أعلنوا الخلافة بينهم وبين أنفسهم يشوهون صورة الإسلام في العالم.

على أية حال، لا شكّ في أن عودة مواطنينا سالمين غانمين إلى أرض الوطن تطور مفرح أسعدنا جميعًا، ولن يغير فرحتنا بعودتهم أي شيء، فيكفينا أنهم عادوا سالمين إلى ذويهم، ولم يعد مهما ما قاله الرئيس أَرْدُوغَانْ من أنهم “أُنقذوا من خلال عملية”، أو تصريحات رئيس الوزراء داود أوغلو حول أنهم “أطلق سراحهم نتيجة اتصالات ومفاوضات”، وليس مهمًّا حتى أن نعرف مَن لعب الدور الأبرز في إطلاق سراح الرهائن، جهاز الاستخبارات التركي (MİT) أو جهاز الاستخبارات الأمريكي (CIA)، الأهم من ذلك هو الرهائن أنفسهم.

أضف إلى ذلك مستقبل تركيا! فما دام لدينا مثل شعبي يقول: “المصيبة أفضل من ألف نصيحة”، إذًا حان وقت الإصغاء إلى هذه الكلمات الحكيمة، وإذا لم نستخلص الدروس الواجب استخلاصها من واقعة احتجاز الرهائن، ربما نشهد أحداثًا أكثر سوءًا في المستقبل، وينبغي أن أقول إن شكوكًا قوية -للأسف- بدأت بالظهور حول ارتباط تركيا ببعض التنظيمات المسلحة، وقد وُجَّهت اتهامات خطيرة إلى تركيا بشأن توفيرها الكوادر وحتى الأسلحة للعديد من التنظيمات المتطرفة، مثل النصرة والقاعدة وداعش، وذهب البعض إلى أبعد من ذلك وتحدث عن علاقات اقتصادية أسستها تركيا مع داعش بعد اتفاق الطرفين على بيع النفط، ولا ريب في أن جميع هذه الاتهامات خطيرة جدًّا، ربما يكون المسؤولون في أنقرة قد أعربوا عن رد فعلهم الحاد إزاء هذه الادعاءات التي نشرتها أشهر الصحف وأكثرها احترامًا على مستوى العالم، غير أن هذه الصحف لا تزال مستمرة في نشر ودعم هذه الادعاءات كما قدمت السلطات الرسمية الأمريكية دعمًا لبعضها، نذكر مثلًا أن وزير الخارجية الأمريكي “جون كيري” أدلى بتصريح يؤكد فيه صحة الادعاء المتعلق بعملية بيع النفط، وتجنب المسؤولون الأتراك ردود الفعل تجاه تصريحات الوزير الأمريكي، بينما لم يتجنبوا إظهار رد فعل حاد تجاه الصحافة الأمريكية.

لا شكّ في أن تأسيس علاقة مع التنظيمات الإرهابية المسلحة، وانتظار أي شيء منهم خطأ كبير، بغض النظر عن السبب، ذلك أنه من المستحيل أن يتوقع أحد متى ستوجه هذه التنظيمات أسلحتها ضد مَن، هذا فضلًا عن أن هذه التنظيمات التي تلهث وراء الشرعية مستغلة ظروف المنطقة تخلّف وراءها الدمار والخراب على الدوام، وعلى سبيل المثال فالاحتلال انتهى في أفغانستان، لكن المياه لم تعد بأي شكل من الأشكال إلى مجاريها كما كانت في السابق، كما أنه لا يمكن التنبؤ بحجم الضرر الذي سيُلحقه المتعاطفون مع داعش بتركيا والمنطقة برمتها في المستقبل.

يا ليتنا نستخلص الدروس والعبر من الوقائع التي تحدث حولنا، فحينها يمكن القول بأنه كان من حقنا الابتهاج أكثر بعودة الرهائن الأتراك إلى وطنهم سالمين…

 

إن الإسلام لم يُبنَ على أساس نظام الرهبانية، ولم تكن الكيانات المؤسّسيّة شرطًا لكي يعيش المسلمون دينهم، وكان الإسلام مندمجًا مع الشعب في كل المراحل، أي إنكم حتى إن أغلقتم الجوامع واعتقلتم أئمتها فإن الإسلام سيواصل الحياة بين أفراد الشعب، وبناءً على هذه الحقيقة الاجتماعية طوّر النظام الروسي إستراتيجية جديدة تعتمد على تمثيل الإسلام بواسطة السلطات الرسمية وتوجيهه في إطار سياسات الحكومة“.

[1] من تاريخ كتابة المقال.

فهرس الكتاب