هل يمكن التوفيق بين الإسلام والديمقراطية؟ هل يمكن أيضًا للمسلم أن يكون ديمقراطيًا؟ هل يمكن للمسلمين أداء الشعائر الدينية بشكل كامل في ظل النظام الديمقراطي؟ ما نوع النظام الذي يتصوره الإسلام؟ هل نظام الحكم الديني موجود في الإسلام؟ ما المقصود بـــ “النظام الإسلامي”؟ وأسئلة عديدة أخرى يمكن طرحها عن العلاقة بين الإسلام والديمقراطية.

لا يتصور الإسلام إقامة دولة ثيوقراطية (تقوم على نظام الحكم الديني)، ولا يفرض نوعًا محددًا من الحكومة على الدولة؛ وتعد هذه هي إحدى القضايا الرئيسية التي يُعتبر الإسلاميون الأصوليون مخطئين بشأنها.

لقد أبدى كولن، بصفته عالمًا مسلمًا، اهتمامًا كبيرًا وجديًا بهذا الخطأ الجسيم في التفسير والحكم؛ وهذا هو السبب الذي يجعل كولن دائمًا هدفًا للإسلاميين الأصوليين.

يرى كولن أن النظام الجمهوري بالنسبة له هو النظام الذي يتوافق وينسجم مع الإسلام في جوهره، وأن الإسلام لا يتعارض بأي حال مع الديمقراطية؛ ويعتقد كولن أن الديمقراطية والنظام الجمهوري هما أفضل أشكال الحكم ويضمنان أنسب وضع مؤسسي للمسلمين لممارسة شعائرهم الدينية وصون عقيدتهم. كما لا تتعارض المبادئ العامة للإسلام مع الديمقراطية ولا مع ما يقره الإسلام بشأن الإدارة الشرعية.

يعتبر الإسلام أن الفرد هو العنصر الأساسي فيه، وبالتالي فإن تجربة إيمان المرء وعقيدته هي على رأس أولويات الإسلام؛ وتتعلق الغالبية العظمي من التعاليم القرآنية بممارسات الشخص المسلم للإسلام. كما لا يوجد شكل قاطع من أشكال الحكم منصوص عليه ومحدد بدقة، ويتم تحديد أنواع الإدارة والحكم وفقًا للاحتياجات والمتطلبات التي تفرضها ظروف الوقت والزمان. تكشف التجربة الإنسانية في الوقت الحالي عن الحكومات الديمقراطية والجمهورية باعتبارها أنسب الإدارات في عصرنا هذا.

لا تتعارض المبادئ العامة للإسلام مع الديمقراطية ولا مع ما يقره الإسلام بشأن الإدارة الشرعية

يَعتبر الإسلاميون الأصوليون أن القرآن الكريم هو دستور المسلمين، وهم يرفضون الأنظمة القانونية الحديثة؛ أما بالنسبة لكولن فإن القرآن الكريم هو دليل ومرشد يعلمنا كيفية ممارسة الشعائر الدينية بالطريقة الأمثل. وبالتالي، فإن الإسلام والمسلمين ليس لديهم أي مشاكل مع الدساتير الحديثة، طالما أنها دساتير ديمقراطية وتكفل حرية المسلمين في ممارسة شعائرهم الدينية.

دعونا نتذكر خطاب فتح الله كولن في 29 يونيو/حزيران 1994، في فندق ديديمان بإسطنبول أثناء الاحتفال بإنشاء جمعية الصحفيين والكُتاب؛ حيث قدم كولن في خطابه في تلك الليلة ثلاث رسائل قوية لتركيا والعالم أجمع وهي:

  1. لا بديل عن الديمقراطية.
  2. يتم التعامل مع المؤمنين الذين يمارسون شعائرهم الدينية وكأنهم لا يستحقون التمتع بعُشر الحقوق الديمقراطية التي يتمتع بها الملحدون.
  3. يمكن أن يُطلق على إدارة الدولة خلال فترة الخلفاء الراشدين أنها إدارة جمهورية.
  4. إن الأشخاص الذين يدّعون أن “الدين والديمقراطية لا يمكن التوفيق بينهما” مخطئون.

 

وقد سُئل كولن “هل يمكن التوفيق بين الإسلام والديمقراطية؟ وكيف ترى عدم إقامة حكم ديمقراطي في العديد من دول العالم الإسلامي، وهل ترى أن عدم وجود الديمقراطية يُمثل عجزًا بالنسبة للدول الإسلامية؟

يمكن أن يُطلق على إدارة الدولة خلال فترة الخلفاء الراشدين أنها إدارة جمهورية

وقد أجاب كولن باستفاضة على هذه الأسئلة؛ وفيما يلي مقتطفات منها:

“نعم، من المؤلم أن نرى في العالم الإسلامي -وخاصة في بلدي تركيا- أفرادًا يتحدثون عن الإسلام والديمقراطية ويزعمون أنهم ينطقون ويتحدثون باسم الدين قد وصلوا إلى فهم يفيد بأن الإسلام والديمقراطية لا يمكن التوفيق بينهما. ويمتد هذا التصور بعدم التوافق المتبادل بين الإسلام والديمقراطية ليشمل الشعوب المطالبة بالديمقراطية أيضًا؛ وتستند الحجة المقدمة على فكرة أن الدين الإسلامي قائم على حكم الله في حين أن الديمقراطية قائمة على رأي الإنسان ومنظوره، وبهذا فهما متعارضان. وهكذا أضحت الديمقراطية ضحية لمثل هذه المقارنة السطحية بين الإسلام والديمقراطية.

لا يُقصد بعبارة “السيادة ملك للأمة دون قيد أو شرط”، أن السيادة قد تم أخذها من الله سبحانه وتعالي ومنحها للبشر. بل على العكس من ذلك تعني هذه العبارة أن السيادة منحها الله سبحانه وتعالي للبشر؛ ويعني ذلك أن السيادة قد تم سلبها من البغاة الظالمين والديكتاتوريين ومنحها لأفراد المجتمع. وإلى حد ما، فإن عصر الخلفاء الراشدين (رضوان الله عليهم) في الإسلام يوضح تطبيق هذا الطابع الديمقراطي المتعلق بالديمقراطية.

إن الأشخاص الذين يدّعون أن “الدين والديمقراطية لا يمكن التوفيق بينهما” مخطئون

“فمن الناحية الكونية، ليس هناك أدني شك في أن الله سبحانه وتعالي هو صاحب السيادة على الكون برمته؛ حيث تخضع خططنا وأفكارنا دائمًا لحكم وقدرة القوي القهار سبحانه وتعالى. ومع ذلك، لا يعني هذا أننا لا نتمتع ولا نمتلك أي إرادة أو رغبة أو اختيار؛ فالبشر أحرار في اختياراتهم وفي حياتهم الشخصية، كما أنهم يتمتعون بحرية الاختيار فيما يتعلق بتصرفاتهم الاجتماعية والسياسية. وقد يقوم البعض بإجراء أنواع مختلفة من الانتخابات لاختيار المشرعين والمديرين التنفيذيين، وليس هناك طريقة واحدة لإجراء الاختيار أو الانتخاب؛ فهذا خاضع لرؤيتنا، فقد كان هذا الاعتقاد صحيحًا حتى في عصر النبوة، وقت حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وخلال زمن الخلفاء الراشدين الأربعة. كان اختيار الخليفة الأول أبو بكر الصديق مختلفًا عن اختيار الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، ومختلفًا عن اختيار الخليفة الثالث عثمان بن عفان ومختلفًا عن اختيار الخليفة الرابع على بن أبي طالب (رضوان الله عليهم جميعا). ولا يعرف الطريقة الصحيحة للاختيار والانتخاب سوي الله سبحانه وتعالي.”