محاورات حضارية

محاورات حضارية..

حوارات نصية بين فتح الله كولن وفلاسفة الفكر الإنساني

تأليف: جيل كارول

قد عشتُ مع فتح الله كولَن من خلال كتاباته أثناء إعداد هذا الكتاب ومازالت أفكاره تلهمني، ولقد عرفت بعد لقائه لماذا أَلهم هذا الرجل ما يقرب من ثلاثة أجيال في تركيا ومَنَحَهم الدافع رجالاً ونساءً لأنشاء عالم جديد. إنه رجل يتمتع بقدر هائل من الروحانية والإخلاص والتعاطف، وهو شيء واضح للغاية في كتاباته وفي شخصيته. لقد قارنتُ أفكار كولَن مع أفكار كلٍّ من كانط وأفلاطون وكونفوشيوس وميل وسارتر، لأنني أومِن بأنهم أهل لأن يتحاوروا مع كولن، وأنه أهل لأن يتناقش معهم، فأنا أعتبرهم جميعًا أفرادًا على قدر عظيم من المعرفة اهتموا بالأسئلة الأكثرِ إلحاحًا واستمراريةً عن الوجود الإنساني، وتعاطوا مع التحديات الصعبة بكل كيانهم وبأمانة من دون أي نوايا متشككة أو خبيثة أو تشاؤمية، وهم نماذج رائعة لأفضلِ شكل من أشكال المعرفة في العلوم الإنسانية، وهو الشكل الذي يعطي تحليلاً متعمقًا لكي نطبقه على هذا العالم وعلى حياتنا فيه حتى نتعلم ما يكوِّن الحياة الصالحة ونحققه لأنفسنا وللأجيال القادمة. فالمعرفة التي لا تجعل هذا هدفها الأسمى لن تكون معرفة حقيقية…

المقدمة

الفصل الأول: القيمة الإنسانية المتأصلة والكرامة الأخلاقية بين كولن وكانط

الفصل الثاني: الحرية لدى كولن وميل

الفصل الثالث: الإنسان المثالي لدى كولن وكونفوشيوس وأفلاطون

الفصل الرابع: التعليم بين كولن وكونفوشيوس وأفلاطون

الفصل الخامس: المسؤولية عند كولن وسارتر

أثناء تأليفي لهذا الكتاب، سنحت لي الفرصة الاستثنائية بأن أقابل الأستاذ فتح الله كولن وأن أتناول معه الطعام مرتين في مقر إقامته، وقد كان كريمًا للغاية وقضى معنا وقتًا طويلاً رغم مرضه الشديد، كما أجاب على بعض أسئلتي وتَناقش مع من كانوا حاضرين حول قضايا الساعة واستمعوا بإعجاب إلى أفكاره وتصوراته. وبالطبع فقد “عشت” مع كولن من خلال كتاباته أثناء إعداد هذا الكتاب ومازالت أفكاره تلهمني، ولقد عرفت بعد لقائه لماذا أَلهم هذا الرجل ما يقرب من ثلاثة أجيال في تركيا ومَنَحَهم الدافع رجالاً ونساءً لخلق عالم جديد. إنه رجل بداخله قدر هائل من الروحانية والإخلاص والتعاطف، وهو شيء واضح للغاية في كتاباته وفي شخصيته.

لقد قارنتُ أفكار كولن مع أفكار كلٍّ من كانط وأفلاطون وكونفوشيوس وميل وسارتر لأنني أؤمن بأنهم أهل لأن يتناقشوا مع كولن، وأنه أهل لأن يتناقش معهم. فأنا أعتبرهم جميعًا أفرادًا على قدر عظيم من المعرفة اهتموا بالأسئلة الأكثر إلحاحًا واستمرارية عن الوجود الإنساني، وتعاطوا مع التحديات الصعبة بكل كيانهم وبأمانة من دون أي نوايا متشككة أو خبيثة أو تشاؤمية، وهم نماذج رائعة لأفضل شكل من أشكال المعرفة في العلوم الإنسانية، وهو الشكل الذي يعطي تحليلاً متعمقًا لكي نطبقه على هذا العالم وعلى حياتنا فيه حتى نتعلم ما يكوِّن الحياة الصالحة ونحققه لأنفسنا وللأجيال القادمة. فالمعرفة التي لا تجعل هذا هدفها الأسمى لا تكون معرفة حقيقية.

وقد ألهمني حقًا ما قمت به هنا من مقابلة الأفكار ببعضها، وهذا الإلهام لم يأت لأنني أتفق تمامًا مع أي رؤية من الرؤى التي عرضنا لها، ولكن ما ألهمني هو المحاورة نفسها وما تتيحه تلك المحاورات من إمكانيات عند إجرائها، ليس فقط على صفحات الكتب بل وفي الواقع أيضًا مع أناس حقيقيين. وأنا أعرف أنني قد توسعت في مفاهيمَ وموضوعاتٍ ونصوص بسيطة في الأصل في محاولةٍ لكشف أوجه التشابه بين أفكار المشاركين في المحاورة، كما أعرف أن هذا التشابه في كثير من الحالات لن يصمد طويلاً -إذا صمد أصلاً- قبل أن تبدأ خيوط العلاقة في التفكك نتيجة لضعفها ولكبر حجم الاختلافات التي تشدها من الجانبين. ولكن إذا كانت العلاقة كافية لكي تصمد ولو لفترة بسيطة، فإن الارتباط يكون قد تحقق على الأقل لتلك الثواني المعدودة. فعلى صفحات الكتب ومع أشخاص ماتوا منذ زمن بعيد، لا يكون الارتباط ممكنًا إلا من الناحية النظرية المجردة. أما عندما يكون هناك أشخاص أحياء، من لديهم استعداد منا للمشاركة والتفاعل ومن هم في الحقيقة مسؤولون عن العالم وعن كل أحد وكل شيء، فإن الارتباط الذي نقيمه في لحظات التوسع هذه لا يكون نظريًا أو مجردًا بل يكون ارتباطًا حقيقيًا. وربما يمنعنا هذا الارتباط ساعتها من القدح في بعضنا البعض وقتل بعضنا البعض -سواء مجازًا أو فعليًا- بعد أن ينقطع الخيط الرفيع ونعود إلى مواجهة الاختلافات الجذرية القائمة بيننا.

إن تنمية استراتيجياتِ وإمكانيات التعايش السلمي في ظل الاختلافات الجذرية وتضاؤل الموارد الطبيعية يعتبر التحدي الأكبر في عصرنا هذا، فيجب علينا أن نهب كل ما لدينا للتغلب على هذا التحدي وإلا فإن كل إنجازاتنا الأخرى ستضيع، لأننا بذلك سنكون قد دمرنا العالم بالكراهية والعنف. ربما نجد بداخلنا -كبشر يحملون تكليفًا من الذات المطلقة أيًا كان شكلها- شخصية تجعلنا نسمو بأنفسنا ونخلق عالمًا يملؤه التسامح والاحترام والتراحم.