بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد النبي الأمي الأمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، حماة العقيدة والدين، وأصحابه السادة الغر الميامين. أما بعد: –

فيقول الحق تبارك وتعالى في كتابه العزيز: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107].

ويقول عز من قائل عليمًا: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]

ويقول: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [إبراهيم 34-والنحل:18].

لا تزال البشرية والكون كله ينعم بأنوار وأسرار الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، إيجادًا وإمدادًا، على مر العصور وكر الدهور، بالرغم من تعدد الابتلاءات، وتواصل المؤامرات ضد الأمة الإسلامية، وضد مقدساتها منذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم؛ الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، وإلى يومنا هذا، وهذه هي سنة الله في خلقه كما قال تعالى في أكثر من آية: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا}[ الأحزاب:62}[فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} [فاطر:42]، {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [الفتح: 23].

ومع كل ذلك، فقد قدر الله سبحانه وتعالى في كل عصر من يقوم بواجب مواصلة مسيرة الدعوة الإسلامية الحقة المبنية على منهج الكتاب والسنة، بعيدًا عن البدع والمحدثات والانحرافات، مع الأخذ في الاعتبار ما يحدث من تغيرات في مسيرة الحياة بحسب اختلاف الأزمنة والأمكنة، وكل ذلك مع المراعاة الكاملة للأصول والثوابت في الشريعة الإسلامية من غير تفريط أو إفراط. وكم نحن في حاجة في هذا الزمن إلى المصلحين الربانيين الذين تخرجوا في جامعة النبوة والرسالة المحمدية، والتي ليس لها هدف سوى إسعاد البشرية جمعاء، وتحريرها من كل أنواع الذل والخنوع والخضوع إلا لله عز وجل، حيث تكمن العزة الحقيقية والكرامة الكاملة التي أكرم الله تبارك وتعالى بها جميع بني آدم.

وهنا، لا بد لنا من الإشادة بفضيلة العلامة الدراكة الفهامة المجدد شيخ العلماء والمفكرين، وتاج الحكماء والمصلحين العصريين، الشيخ الأستاذ/ محمد فتح الله كولن، حفظه الله ورعاه، لا بد من الإشادة بمنهجه العلمي والعملي التطبيقي في مجال العمل بالكتاب والسنة قولاً وعقدًا وعملاً في المظهر والسلوك، مع التحلي بمكارم الأخلاق، ومنها التفاني ونكران الذات والتضحية والإيثار مع السعي المتواصل والمخلص والإرادة الصادقة في إيصال الخير إلى الآخرين وإسعادهم لتفهيم العالم بأسره بأسلوب عملي رائع معنى قوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}.

أما الكتاب الذي بين أيدينا “النور الخالد، محمد صلى الله عليه وسلم، مفخرة الإنسانية” فقد قلبت صفحاته، وتشرفت بقراءة موضوعاته، فوجدته كتابًا قيّمًا، في موضوعه، وأسلوبه، فهو مرجع مهم للعالم المتضلع، ولكل باحث منصف متطلع، إذ لم يترك المؤلف حفظه الله تعالى، جانبًا من جوانب القدوة في سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ينبغي أن يتنبه له هذا الجيل ويطبقه في نفسه ويدعوا إليه إلا وأبرزه في أروع أسلوب، يأخذ بمجامع القلوب، ويلهب الهمم التواقة للمعالي، في عصر أطل فيه قرن الشيطان، وانتهكت فيه جميع الحرمات، ونقضت فيه عرى الإسلام على التوالي.

هذا، والمؤلف حفظه الله، ممن أنعم الله عليهم -كما أسلفنا- بالتخرج في مدرسة النبوة والرسالة، وممن فهم عصره، وعرف مشكلاته ومعضلاته، وقد نور الله بصيرته بنور الإيمان والمعرفة والحكمة،  فسلك طريقًا وسطًا في الدعوة إلى الله، نال إعجابنا، ولم يترك أسلوبًا يقرب به البعيد، ويدني به القريب، أو يذكر به الناسي، وينبه به الغافل، أو يعلم به الجاهل، أو يجذب به المكابر المعاند، إلا واتبعه مع الصبر والمصابرة والحكمة والموعظة الحسنة، وذلك بجميع وسائل إيصال المعرفة من تأليف أو وسائل نقل المعرفة الحديثة، حتى حقق هذه الإنجازات الضخمة التي يشهد له بها العدو قبل الصديق، فجزاه الله عنا وعن الإسلام خير الجزاء.

 وإنا إذ نقدم لهذا الكتاب القيم الذي نرى أنه من أروع ما كتب في هذا العصر في هذا المجال، نسأل الله العلي القدير، أن ينفع به سائر المسلمين أينما كانوا، وأن يجعله نبراسًا لغير المسلمين من الحيارى والباحثين عن الحقيقة الذين يستمعون إلى دقات قلوبهم بالفطرة وهي تناديهم للبحث عن الحقيقة في عصر ساد فيه الظلم والطغيان، وأهدرت فيه كرامة الإنسان، والكون كله يشير إلى أنه لا خلاص من هذا إلا بالرجوع إلى الملك الديان، وبالتمسك بسنة سيد ولد عدنان عليه من الله تعالى أفضل الصلاة وأتم السلام.

كما نسأله تعالى، أن يسبغ على المؤلف دوام نعمة الصحة والعافية مع طول العمر، لمواصلة إنجازاته الضخمة في جميع أنحاء العالم، على منهج الهدي النبوي الشريف، وأن يجزيه عنا وعن الإسلام خير الجزاء.

والله ولي التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين