ناشطون في حركة الخدمة يصدرون بيانًا حول تقرير رئاسة الشؤون الدينية التركية

بعنوان “تحليل أربعين عاما لحركة كولن” نشرت رئاسة الشؤون الدينية التركية في ١٤ يوليو ٢٠١٧ تقريرًا امتلأ بمزاعم عديدة ضد حركة الخدمة ورائدها الأستاذ فتح الله كولن خلال الأربعين عاما الماضية. ولا شك أن صدور التقرير في هذا الوقت تزامنا مع الذكرى الأولى لمحاولة الانقلاب الفاشلة، يشي بالورطة الدينية والمؤسسية التي تتردّى فيها هذه المؤسسة يوما بعد يوم، وخضِوعها خضوعا مطلقا للوصاية السياسية التي فرضها عليها رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان.

لقد صدر هذا التقرير بناء على تعليمات رئاسية صدرت من رئيس الجمهورية إلى رئاسة الشؤون الدينية، ضمن الحملة الموسَّعة التي بدأها أردوغان ضد حركة الخدمة في كافة القطاعات منذ عمليات الفساد في ديسمبر 2013، ثم زادت وتيرتها وتصاعدت حدتها عقب محاولة الانقلاب المشؤومة في يوليو/تموز 2016م.

هذا التقرير دليل واضح على توظيف أردوغان للدين والمؤسسات الدينية من أجل أغراضه السياسية.

لقد فشل أردوغان في تقديم أدلة ملموسة تثبت تورط الأستاذ فتح الله كولن وحركة الخدمة في هذه المحاولة الانقلابية الفاشلة، ومن ثم فشل في إقناع دول العالم والرأي العام العالمي بصحة ما يدعيه من مزاعم وافتراءات حول الأستاذ كولن والخدمة. ولكنه في المقابل وظف كل إمكانيات الدولة ووسائلها المختلفة في التنكيل بأبناء الخدمة أو حتى المتعاطفين معهم من قريب أو بعيد؛ فطرد مئات الآلاف من الناس من أعمالهم واعتقل عشرات الآلاف وأودعهم في السجون والمعتقلات بلا تهمة أو بينة ودليل حتى الآن، وزجَّ بالمؤسسات القضائية والأمنية لتكون طرفًا غير محايد في هذا الصراع، وبدأت آلته الإعلامية الضخمة تشن الحملات الدعائية التشويهية المغرضة ضد حركة الخدمة ليل نهار، ودخل على الخط أيضًا رئاسةُ الشؤون الدينية لتستكمل الحملةُ فصولها التشهيرية الوضيعة.

لقد صرَّح رئيس الشؤون الدينية محمد كورمز أن المجلس الأعلى للشؤون الدينية لم ينطلق في إعداد هذا العمل لأنه لمس بعض الأخطاء والتصورات المغلوطة والتطبيقات المناقضة للدين في المبادئ والقيم الأساسية لحركة الخدمة أو في سلوكيات بعض المنتمين إليها، بل أُعِدَّ هذا التقرير بناء على تعليمات خاصة من أردوغان إلى المجلس الأعلى للشؤون الدينية بصفته رئيسًا للجمهورية. ومن ثم فلا غرابة أن يردد التقرير في محتواه المزاعم التي ذكرها أردوغان في كلمته الافتتاحية التي ألقاها أمام ملتقى الشورى الديني الاستثنائي الذي انعقد في أغسطس ٢٠١٦م، وبلا خجل صاغها تقرير الشؤون الدينية وكأنها معطيات توصَّل إليها معدّو التقرير بعد البحث والدراسة.

إن تصريحات رئيس الشؤون الدينية محمد كورمز هذه اعتراف منه بأن هذه المؤسسة قد باتت مطية دينية لأردوغان يستخدمها في حملة الإبادة التي يشنها ضد حركة الخدمة ظلما ودون أي سند شرعي. وهذا مؤشر واضح إلى درجة التردي الحاصلة في علاقات الدولة والدين والمجتمع في تركيا، والتي تزداد تردِّيًا وتأزمًا يوما بعد يوم، علمًا بأنها متأزمة منذ أمد بعيد أصلا.

خضوع رئيس الشؤون الدينية للضغوط السياسية عار سيظل يلاحقه في حياته وبعد مماته.

لا شك أن خضوع رئيس الشؤون الدينية للضغوط السياسية في مثل هذا الموضوع عارٌ ينبغي أن يحمرّ وجهه خجلا منه، وخزيٌ سيظل يلاحقه في حياته وبعد مماته، ولن يجدي فيه الأسفُ والاعتذارُ للشعب الذي أودعه أمانته، لكنه في الوقت نفسه يدل على مدى تسلط رئيس الجمهورية على كافة المؤسسات، ويعطي مؤشرا على أنه لا ضمان بعد اليوم لأي مجموعة دينية أو مجتمعية في تركيا في أن توضع على لائحة الاستهداف من قبل الدولة في لحظة ما، وأن تتعرض لمثل التجربة المريرة التي تتعرض لها الخدمة الآن وتعاني منها أشد المعاناة.

إن المزاعم التي تضمّنها هذا التقرير في حق الخدمة والأستاذ لا تستحق عناء الرد، فهو تقرير مدفوع بدوافع سياسية، أهان فيها رئيسُ الجمهورية الشؤونَ الدينيةَ ووظفها لتصفية حساباته، يحتوي على مزاعم ليس لها أساس من الصحة، ونتائجه محددة من البداية؛ فهو ليس عملا علميا موضوعيا يستحق إجابة جادة تستند إلى تحليلات علمية، لكننا نريد أن ننبه إلى بعض الأمور في غاية الأهمية، ونقول للمسلمين الذين يمكن أن يشوّش هذا التقرير على عقولهم في تركيا وفي العالم الإسلامي ما يأتي:

إن الأستاذ فتح الله كولن قد عُيِّن من قبل رئاسة الشؤون الدينية معلّما للقرآن الكريم وإماما وداعية في المساجد وواعظا إقليميا من عام ١٩٥٩م إلى عام ١٩٨١م، كما كان يلقي دروسًا في المساجد الشهيرة عالميا مثل جامع السلطان أحمد بإسطنبول يحضرها عشرات الآلاف من الناس من عام ١٩٨٩م إلى عام ١٩٩١ م بدعوة خاصة من مؤسسة الشؤون الدينية.

إننا نرفض رفضًا باتًّا المزاعم التي وردت في تقرير رئاسة الشؤون الدينية.

إن كافة المسؤولين في رئاسة الشؤون الدينية وكافة الدعاة والعاملين المنتمين إليها وجميع الرؤساء السابقين قد عبّروا عن تقديراتهم مرارا في حق الأستاذ فتح الله كولن الذي عمل ٣٠ عاما واعظا، وفي حق حركة الخدمة التي نمت وترعرعت خلال هذه الفترة بتوصيات منه.

لم تَستخدم رئاسة الشؤون الدينية ولا رؤساؤها ضد الأستاذ فتح الله كولن أو حركة الخدمة أي مقولة أو زعم من نوع الادعاءات التي ذكرت في هذا التقرير من قريب أو بعيد، قبل أن يعلن رئيس الوزراء –آنذاك- أردوغان عن تحقيقات فضائح الفساد التي اطلع عليها الرأي العام في ديسمبر ٢٠١٣، على أنها انقلاب قضائي ضد حكومته، وإعلانه عقب ذلك مباشرة رجالَ القضاء المتعاطفين مع رؤية الخدمة المسؤولَ الرئيس عنه، وإطلاقه حملة تشويه شرسة ضدهم.

لم يكتف أردوغان بالظلم الذي مارسه على متطوعي الخدمة في تركيا، بل وظف علاقة تركيا مع الدول الأخرى أداة للضغط على تلك الدول، وبذل كل ما في وسعه لإغلاق مدارس الخدمة في الخارج، أو نقلها إلى أنصاره، وحرَّض على تسليم المواطنين الأتراك الذين يعملون في تلك المدارس إلى تركيا لاعتقالهم بتهمة الإرهاب؛ ومع فشل تلك المساعي خارج تركيا -ما عدا بعض الاستثناءات- رغم استخدامه كافة إمكانات الدولة المالية وسلطتها في علاقاتها مع الدول الأخرى عمد إلى استغلال رئاسة الشؤون الدينية لتشويه الحركة دينيًا، واغتيال سمعتها الطيبة التي كونتها خلال أربعين عاما من العمل المثمر والبنّاء.

لا ضمان بعد اليوم لأي مجموعة دينية أو مجتمعية في تركيا في أن توضع على لائحة الاستهداف من قبل الدولة في لحظة ما.

إن أفضل رد على تقرير رئاسة الشؤون الدينية الممتلئ بمزاعم لا أصل لها، هو موقف الرئاسة نفسها من الأستاذ كولن وحركة الخدمة الإيجابي وعبارات التقدير والثناء طيلة ٤٠ عاما والذي يشهد على صدورها من الرئاسة الرأيُ العامُ التركي والإسلامي جميعا.

وأخيرا فإذا كانت مؤسسة الشؤون الدينية صادقة في ادعاءاتها التي ذكرتها في هذا التقرير، فإننا ندعوها إلى أن تبين للرأي العام العالمي على أي أساس وأي معايير حلَّلت مؤلفات الأستاذ فتح الله كولن، ثم ندعوها إلى أن تفحص وتدقق بالمعايير نفسها خطاباتِ أردوغان وقيادات حزب العدالة والتنمية وأعضاء الحزب الصادرة منهم بعد ١٧-٢٥ ديسمبر 2013م الذي يعتبرونه ميلادًا جديدًا في تغيير موقفهم من حركة الخدمة.

إننا “تحالفَ القيم المشتركة” (Alliance for Shared Values) الذي يمثل الصوت المشترك لمؤسسات المجتمع المدني ذات الصلة بحركة الخدمة الناشطة في الولايات المتحدة الأمريكية نرفض رفضًا باتًّا المزاعم التي وردت في تقرير رئاسة الشؤون الدينية في تركيا، ونؤكد أن هذا التقرير دليل واضح على توظيف أردوغان للدين والمؤسسات الدينية من أجل أغراضه السياسية، وهو ما يتناقض مع قيم الإسلام وتعاليمه المنزهة عن الهوى والأغراض.

إذا كانت الشؤون الدينية صادقة في ادعاءاتها، فلتحلل خطابات أردوغان وقياداته بنفس المعايير التي حللت بها مؤلفات الأستاذ كولن.

تحالف القيم المشتركة

Alliance For Shared Values

29 July 2017

ملحوظة:

“تحالف القيم المشتركة” هي المنظمة الأم التي تمثل الصوت المشترك لمؤسسات المجتمع المدني ذات الصلة بحركة الخدمة المجتمعية في الولايات المتحدة الأمريكية. وهي منظمة غير ربحية تدعم المبادئ الديمقراطية وتكافؤ الفرص وقبول الآخر المختلف دينيا وثقافيا. لمزيد من المعلومات يمكنكم زيارة موقع المنظمة:

 www.afsv.org